الرئيس بشاره الخوري
(1943 – 1952 )
⦁ ولد الشيخ بشارة الخوري في 10 اب 1890 في بيروت، من عائلة متحدرة من رشميا.
⦁ والده الشيخ خليل الخوري رئيس القلم العربي في متصرفية جبل لبنان، ووالدته كارولين سليم الخوري من بكاسين.
⦁ تلقى دروسه الاولى في مدرسة بعبدا ثم انتقل الى مدرسة الاباء اليسوعيين في بيروت حيث انهى دروسه الثانوية سنة 1909 وبرع في اللغة العربية ونال جائزة الشرف عن تفوقه بالفرنسية الى جانب المامه باليونانية واللاتينية.
⦁ درس الحقوق في باريس ونال الاجازة سنه 1912 واثناء عودته من فرنسا الى لبنان بالقطار زار ميونيخ وبودابست وفيينا وصوفيا وبلغراد واسطنبول.
⦁ تدرّج في المحاماة في مكتب المحامي (الرئيس لاحقا) اميل اده. وخلال سنوات التدرّج اسس مع رفاق له " جمعية بيروت اللبنانية " التي طالبت بتوسيع حدود متصرفيه جبل لبنان وتحقيق الاستقلال. ورفع اعضاء الجمعية مذكرة بهذا الخصوص الى الخارجية الفرنسية بواسطة قنصل فرنسا في بيروت فرانسوا جورج بيكو.
⦁ بعد اندلاع الحرب العالمية الاولى غادر بيروت الى المنفى الاختياري في مصر ليل 12 كانون الثاني سنة 1915. وفي القاهرة مارس المحاماة في مكتب المحامي خليل بولاد. كما استأنف نشاطه الوطني في جمعية الاتحاد اللبناني برئاسة يوسف السودا التي كانت تطالب باستقلال لبنان "بحدوده التاريخية".
⦁ عاد الى لبنان في 21 نيسان 1919 وانتخب عضواً في أول مجلس لنقابة المحامين في بيروت برئاسة وديع الدوماني.
⦁ في المرحلة الانتقالية بين نهاية العهد العثماني وبداية مرحلة الانتداب الفرنسي، عُيّنَ سنة 1920 أمينا عاماً لحكومة لبنان (مجلس الادارة) فساهم في تنظيم شؤون قانونية وادارية، وانضم في تلك الفترة الى حزب الترقّي برئاسة المركيز موسى دو فريج الى جانب ميشال شيحا واميل اده ويوسف الجميل.
⦁ تزوج سنة 1922 من لور شيحا شقيقة صديقه ميشال شيحا ورزق خليل وميشال واوغيت.
⦁ انخرط في سلك القضاء عُيّنَ سنة 1922 رئيسا لمحكمة الاستئناف، ثم عضواً في اول مجلس عدلي في تاريخ لبنان سنة 1923.
⦁ بعد اعلان الجمهورية اللبنانية عُيّنَ في 31 ايار 1926 وزيراً للداخلية في أول حكومة لبنانية برئاسة اوغست باشا اديب. وبعد دمج مجلس النواب والشيوخ، عُيّنَ عضواً في مجلس الشيوخ سنة 1927.
⦁ ترأّس الوزارة الثانية في عهد الرئيس اللبناني الاول شارل دبّاس سنة 1927، وتولّى أيضاً حقيبة المعارف (التربية) حيث رأس لجنة اختيار النشيد الوطني اللبناني. وفي كانون الثاني 1928 ترأس وزارة ثلاثية، ثم عاد وترأس وزارة الانتخابات في أيار 1929 بعد تجديد ولاية الرئيس دبّاس.
⦁ بعد استقالة الرئيس شارل دبّاس سنة 1933 وتعليق العمل بالدستور وتعيين حبيب باشا السعد رئيساً للجمهورية أسس الشيخ بشارة الخوري الكتلة الدستورية، وحدّدت هدفها بالسعي لإعادة العمل بالدستور. ثم ترأس هذه الكتلة سنة 1936.
⦁ عُيّنَ نائباً من قبل المفوض السامي للمرة الاولى في المجلس النيابي سنة 1934.
⦁ نافس الرئيس اميل اده في انتخابات رئاسة الجمهورية في كانون الثاني سنة 1936، اذ نال في الدورة الاولى 12 صوتا مقابل 13 لإميل اده وفي الدورة الثانية ربح الرئيس اده بـ 14 صوتا مقابل 11 صوتا للشيخ بشارة الخوري.
⦁ تولّى بأمر من رئيس الجمهورية رئاسة الوفد اللبناني المفاوض مع فرنسا لإنجاز المعاهدة اللبنانية- الفرنسية التي تم التوقيع عليها في السراي الكبير في 13 تشرين الثاني 1936، وأقرّها مجلس النواب في 17 تشرين الثاني 1936.
⦁ بعد التحوّلات التي احدثتها الحرب العالمية الثانية ودفعت الوطنيين في بلدان المشرق الى السعي لاقتناص الاستقلال، زار الشيخ بشارة مصر في حزيران 1942 والتقى رئيس الوزراء المصري مصطفى النحاس باشا والزعيم السوري جميل مردم في مسعى لنيل التأييد "لاستقلال لبنان وتعاونه الى أبعد حد مع الدول العربية".
⦁ بعد اعادة الحياة الدستورية واجراء الانتخابات النيابية في صيف 1943، انتخب الشيخ بشارة نائباً عن احد المقاعد المارونية في جبل لبنان في المجلس المؤلف من 55 نائباً (30 مسيحياً- 25 مسلماً)، تمهيدا للانتخابات الرئاسية الحاسمة حول الاستقلال.
⦁ في 21 ايلول 1943، انتخب الشيخ بشارة الخوري رئيساً للجمهورية بعد عدول الرئيس اميل اده عن الترشح. حصل على اصوات 44 نائباً في مقابل ثلاث أوراق بيضاء وغياب 8 نواب. وأقسم اليمين الدستورية صباح الخميس 23 ايلول 1943.
⦁ فور تسلّمه السلطات الدستورية، وتنفيذاً لاتفاق سابق كلّف الرئيس الخوري الزعيم والنائب رياض الصلح تشكيل الحكومة التي تبنّت في بيانها مبادئ " الميثاق الوطني " غير المكتوب والذي قام على " اتفاق المكوّنَين اللذين يتألف منهما الوطن اللبناني على انصهار نزعتهما في عقيدة واحدة: استقلال لبنان الناجز دون الالتجاء الى حماية العرب ولا الى وحدة او اتحاد مع الشرق ".
⦁ ليل 11 تشرين الثاني 1943 اعتقلت السلطة الفرنسية الرئيس بشارة الخوري والرئيس رياض الصلح وعدد من الوزراء والنواب والزعماء رداً على تعديل الدستور من طرف واحد والغاء المواد المتعلّقة بالانتداب تأكيداً على الاستقلال. وقد نقل المعتقلون الى قلعة راشيا فيما اندلعت في البلاد انتفاضة شعبية احتجاجاً على احتجاز القادة الشرعيين. تألفت حكومة مؤقتة تولى رئاستها الوزير حبيب أبو شهلا وتحصنّت في بلدة بشامون بحماية حرس وطني قاده وزير الدفاع الامير مجيد ارسلان. أما النواب فعقدوا اجتماعات مفتوحة خارج الندوة النيابية حيث اقروا علماً لبنانياً جديداً وواكبوا الاتصالات الخارجية والثورة الشعبية التي سقط في صفوفها شهداء وجرحى في بيروت وطرابلس وصيدا وبشامون. وبعد سلسلة انذارات دولية وضغوط عربية وبريطانية، وبعد لقاء في بيروت في 18 تشرين الثاني بين ممثل فرنسا الحرة الجنرال كاترو والرئيس الخوري الذي لم يتراجع عن مطالب اللبنانيين بالحرية والاستقلال، افرج عن المعتقلين في 22 تشرين الثاني 1943 ، اليوم الذي اصبح عيداً رسمياً للاستقلال.
⦁ ثبّت الرئيس الخوري ركائز الاستقلال فاعترفت جميع الدول العربية بلبنان المستقل وكذلك الدول الكبرى والڤاتيكان. وجرى تبادل البعثات الدبلوماسية وتحقيق جلاء الفرنسيين والحلفاء وجميع الجيوش الاجنبية عن لبنان في 31 كانون الاول 1946. ورفعت لوحة الجلاء على صخور نهر الكلب في احتفال رسمي حضره الى جانب رئيس الجمهورية، رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب والمسؤولون اللبنانيون ورئيس الجمهورية السورية شكري القوتلي. كذلك وقّع لبنان على "بروتوكول الاسكندرية" في تشرين الاول 1944 وعلى ميثاق جامعة الدول العربية كعضو مؤسس في 22 آذار 1945. وفي آذار 1945 ايضاً شارك لبنان في مؤتمر سان فرنسيسكو وانضم الى الامم المتحدة. كما شارك الرئيس الخوري في أول لقاء عربي على مستوى القمة في انشاص في مصر سنة 1946 وفي جميع اللقاءات العربية الخاصة بقضية فلسطين، واستضاف بعضها في بيروت وعاليه وبيت الدين وشتوره. وفتح آفاق العلاقات الخارجية فزار مصر وتركيا وسوريا والعراق بينما تحولت بيروت إلى مقصد للملوك والرؤساء العرب والمسؤولين الدوليين ومركز للمؤتمرات الاقليمية والدولية على غرار مؤتمر " الأونيسكو " الذي حضّر له الرئيس الخوري والحكومة قصراً واحتفالاً مميّزاً في 17 تشرين الثاني 1948.
وفي سبيل ترسيخ الاستقلال الإقتصادي والمالي استكمالاً للسيادة الوطنية تسلّم لبنان اعتباراً من العام 1944 " المصالح المشتركة " بموجب بروتوكول وُقّعَ بين فرنسا ولبنان وسوريا في 22 كانون الأول 1943. كذلك تسلّم مصافي البترول واشترى الإذاعة والهاتف وغيرها من المؤسسات والمصالح المستقلة. وانضم لبنان المستقل سنة 1947 إلى "صندوق النقد الدولي" وإلى "البنك الدولي" وإلى "المنظمة الدولية للطيران المدني" ومعظم الهيئات التابعة للأمم المتحدة. وأصدرت الحكومات والمجالس النيابية خلال ولاية الرئيس الخوري سلسة تشريعات وقوانين أساسية أبرزها قانون الموظفين وقانون العمل وقانون تنظيم مهنة المحاماة وإلغاء المحاكم المختلطة مع الفرنسيين وغيرها. واستقدم الرئيس الخوري المهندس الفرنسي المعروف ايكوشار لإعداد مخطط توجيهي وتجميلي لبيروت وضواحيها. كما جاء بالخبير البلجيكي ڤان زيلاند لدرس وتنظيم قواعد الإقتصاد اللبناني على أسس حديثة.
ومنح الرئيس والحكومة عنايةً واهتماماً بارزاً للمواصلات البرية والبحرية والجوية. فبالإضافة إلى تطوير شبكة الطرق، بُنيَ مطار حديث في منطقة خلده قرب بيروت على مساحة عشرة ملايين متر مربّع. وعندما دشّنه الرئيس الخوري وأركان الدولة في أوّل تموز 1950 كان " مطار بيروت الدولي " الأكبر والأحدث في الشرق الأوسط.
كذلك أشرف الرئيس الخوري على ترميم قصر بيت الدين التاريخي، وجعله مقرّاً صيفياً لرئاسة الجمهورية، وأعاد إليه في احتفال رسمي سنة 1947 رفات بانيه الأمير بشير الشهابي الثاني الكبير من اسطنبول بعد مفاوضات مع الحكومة التركية.
⦁ في أوّل آب 1945 تسلّم لبنان الوحدات اللبنانية في "قوات الشرق الخاصة" من الفرنسيين. وعيّنت الحكومة اللواء فؤاد شهاب قائداً للجيش الجديد، وسلّمه الرئيس الخوري العلم والقيادة في احتفال رمزي في بيروت. وقد شارك الجيش اللبناني الفتي في الحرب العربية – الإسرائيلية بين أيار وتشرين الثاني 1948 فيما كان يستكمل بناءه وتجهيزه بالعدد والعدّة اللازمة برياً وبحرياً وجوياً حيث تأسس سلاح الطيران سنة 1949.
⦁ في 23 آذار 1949 وقّع الوفد اللبناني في جزيرة رودس اتفاق الهدنة مع اسرائيل على غرار باقي الدول العربية التي اشتركت في حرب فلسطين.
⦁ في 24 كانون الثاني 1948، وقّع لبنان بعد مفاوضات فرنسية- لبنانية – سورية اتفاق النقد مع فرنسا لتحقيق استقلال العملة اللبنانية عن الفرنك الفرنسي. وأدّى ذلك إلى الفصل بين الليرة اللبنانية والليرة السورية اللتين كانا يصدرهما " بنك سوريا ولبنان " منذ بداية عهد الإنتداب. هذا الإنفصال رتّب خلافات مع الحكومة السورية التي خيّرت لبنان بين الوحدة الاقتصادية الشاملة أو القطيعة التامة. لكنّ الحكومة اللبنانية اختارت مبدأ الاقتصاد الحرّ فوقع الإنفصال الجمركي مع سوريا وحدثت القطيعة الإقتصادية في شباط 1950. وكانت القطيعة ذروة الإشكالات والخلافات التي تفاقمت مع دمشق منذ أوّل انقلاب عسكري في سوريا قاده الزعيم حسني الزعيم في آذار 1949. ورغم لقاء الرئيس الخوري وحسني الزعيم في شتوره، فقد تصاعد التوتر السياسي والأمني بين بيروت ودمشق، وتخلّل ذلك حركة تمرّد قادها زعيم الحزب السوري القومي أنطون سعاده الذي لجأ أوّلاً إلى حماية حسني الزعيم في دمشق قبل أن يعود ويسلّمه إلى السلطة اللبنانية ليحاكم ويعدم في 9 تموز 1949.
⦁ في 27 أيار 1948، وبعد تعديل المادة 49 من الدستور بموجب القانون الدستوري رقم 11809 الذي أجاز " بصورة استثنائية إعادة انتخاب الرئيس الحالي ولاية جديدة " تمّ التجديد للرئيس بشاره الخوري بأكثرية 46 نائباً ومعارضة سبعة نواب وغياب اثنين.
⦁ واكبت عهد الشيخ بشاره الخوري ثلاثة مجالس نيابية هي:
مجلس 1943 - 1947 (55 نائباً)
مجلس 1947 - 1951 (55 نائباً)
مجلس 1951 - 1953 (77 نائباً)
⦁ تألّفت في عهد الرئيس الخوري ثماني عشرة حكومة تعاقب على تشكيلها الرؤساء رياض الصلح (6حكومات) وعبد الحميد كرامي (حكومة واحدة) وسامي الصلح (3حكومات) وسعدي المُنلا (حكومة واحدة) وحسين العويني (حكومة واحدة) وصائب سلام (حكومة واحدة) وناظم عكاري (حكومة واحدة) وفؤاد شهاب (حكومة واحدة).
غير أنّ الحكومات الثلاث الأخيرة لم تمثُل أمام المجلس النيابي لنيل الثقة، ولم يدم عمرها سوى أيام قليلة بسبب الأزمة السياسية التي سبقت استقالة الرئيس الخوري. فمنذ قيام دولة اسرائيل واحتلال فلسطين سنة 1948 عصفت التحولات بالشرق الأوسط، فتوالت الإنقلابات في سوريا (حسني الزعيم – سامي الحنّاوي – أديب الشيشكلي) وفي مصر (1952)، واغتيل ملك الأردن عبد الله الأول في تموز 1951 ، وسبق ذلك بأيام اغتيال الرئيس رياض الصلح في عمّان. كلّ ذلك معطوفاً على الصراع الدولي على المنطقة حيث تقدّمت الولايات المتحدة وبريطانيا " بمشروع معاهدة الدفاع المشترك عن الشرق الأوسط " أدّى إلى زيادة الاضطراب السياسي في لبنان بالتزامن مع قيام حركة معارضة داخلية. وبعد استقالة رئيس الحكومة سامي الصلح في مجلس النواب في 9 أيلول 1952 دعت " الجبهة الاشتراكية الوطنية " وهيئات ومنظّمات معارضة إلى إضراب عام للضغط من أجل استقالة رئيس الجمهورية الذي سعى إلى احتواء الأزمة بعرض سلسلة إصلاحات.
⦁ ليل 18 أيلول 1952 تقدّم الرئيس الخوري باستقالته في عاليه إلى رئيس المجلس النيابي بعدما استدعى قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب وكلّفه رئاسة حكومة انتقالية ثلاثية ( فؤاد شهاب – ناظم عكاري – باسيل طراد). ثمّ سلّمه الدستور قائلاً له: " احتفظ به وحافظ عليه". وكتب الرئيس الخوري في مذكراته:" سلّمت الأمانة كاملة. لم تهرق نقطة دم واحدة ولم يمس الدستور".
⦁ انسحب الشيخ بشارة بعد الرئاسة إلى التقاعد والظلّ في منزله في الكسليك في كسروان رغم أنّه أسّس " الحزب الدستوري ". وغاب في 11 كانون الثاني 1964 تاركاً ارثاً سياسياً ووطنياً ذروته استقلال لبنان. ودوّن سيرته ومسيرته ومذكراته في كتاب " حقائق لبنانية " صدر العام 1960 في ثلاثة أجزاء.